نص الورقة البحثية التي قدمها الاستاذ جمعة عبد الله مطلك بعنوان (الهروب الى الانثروبولوجيا) في الندوة الحوارية التي أقامها مركز بغداد الدولي للدراسات وبناء السلام في بغداد بتاريخ 8-12-2017 :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعمد الورقة الى تقديم محاولة اولية للفهم ولاتطمح ان تقدم برنامجا للخلاص لان سقف الورقة عال جدا وهو جهد دولي لمحاربة الارهاب والتطرف وليس بمقدور ورقة بحثية ان تقدم حلا لازمة الانسانية المعاصرة .
مثل اي ظاهرة انسانية مركبة ومعقدة فالارهاب والتطرف لايمكن النظر اليه من زواية واحدة ، بتعدد الزوايا يمكن ان نحصل على معلومات نصل بعد ذلك الى محطات ومثابات نستطيع من خلالها الربط والتحليل والكشف والبيان لنصل الى الشيفرة الموحدة للقضية لان القضية لاتحل مادامها مترتبطة بالطبيعة الانسانية وهنا تحضرني اية كريمة تقول ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) ويحضرني هنا قول الشاعر الانكليزي كيتس حيث يقول (ان الحياة في استعداد هائل لشئ لن يحدث ابدا الانسان) هو هذا الانسان اما المقاربات التكفيرية او المتطرفة يجب ان اقارب هذه الظواهر بمقترب اخر لا اقاربها بتشريعات او قوانين بل اقاربها بمنظور الدولة العراقية ، الدولة العربية المشرقية عموما هي دولة الناتج العرضي للقوى الاستعمارية اذن هي دولة بلا ضمير ودولة بلا تشريع لايمكن تطبيق التشريع فيها الا بالقوة العسكرية هي دولة تفتقد الى العقلية الاجتماعية وتفتقد الى العقلية الثقافية .
ان المقترب الذي اعتقدة قانونيا واخلاقيا لموضوعة الارهاب والتطرف لايتعلق فقط بالنظرة الاخلاقية للموضوع بل بالنظرة العقدية التي تخص الدولة الحديثة .
ان الدولة العربية الاسلامية المشرقية عموما هي ناتج عرضي لعلاقات القوى الاستعمارية لذلك فهذه الدولة لم تنتج عقدها الاجتماعي الخاص ودولة مفرغة من المحتوى الاخلاقي ودولة مهتمها الرئيسية افتراس المجتمع وفي مجتمع منغلق مثل المجتمعات الاسلامية حيث الثقافة المنغلقة فهذا المجتمع يكون عالة ومتسول على ابواب الدولة حتى لو كانت ضعيفة وبالتالي فان النظر للارهاب من زاوية ثقافية محضة ليس صحيحا بل من زاوية تاريخية مقارنة حيث ان هذه الزاوية تقول ان هذه الدولة العراقية او المصرية او الليبية وغيرها لاتقف على ارضية اخلاقية ولاتتنفس هواءا اخلاقيا حقيقيا لانها دولة تابعة للغرب عموما وهي تبعية بنيوية فثمانون سنة من الدولة الحديثة ولم تستطع هذه الدولة ان تحدد هويتها وبالتالي فعندما جاء الربيع العربي فانكشف لنا ان هذه الدولة تعود الى اصول وهويات اخرى خارج الحداثة السياسية واتضح لنا ان هذا الكيان الجبار هو كيان هش بحيث لاقدرة له الثبات والبقاء .
ان المقترب العام لموضوعة الارهاب والتطرف وحدودها العامة هي الفلسفة والدين والعلم والاخلاق العامة فكيف يمكننا ان نصنف هذا الموضوع مثلا هل ننظر مثلا الى ظهور ابو بكر البغدادي ان كان انحداره من السنة او من الشيعة وهل هذه السنية هي السنية التقليدية الصلبة التي تنتج الارهاب والتطرف ام انه انتاج المخابرات الاميركية او هل كان السبب في تطرفه مسار التشيع ، كلا ان السبب ان بنية الدولة العراقية هي بنية هشة وتبعية واتضح اخيرا بعد صعود ترامب لانه له نفوذ كبير علينا وهو الذي حدد لنا حدود الدولة الحديثة ، وهنا نعتقد ان الدولة ككيان يجب ان يكون له مقدار من الاحترام لانها تشرع ولانها قادر على حماية ابنائه ولان تعريف الدولة هو تجريد المجتمع ، فاي مجتمع عراقي الان قابل ان يهضم هذه التناقضات ويعيد انتاجها؟ لان الشعب بلا اي تنظيم عقلي وبدون قاعدة ثقافية اريد ان اقول هنا ان الاديان والعقائد لا تتحاور بل ان الذي يتحاور هو المجتمع ، تتحاور الثقافات نعم يمكن ان يتحاور متدين مع حامل عقيدة اخرى سماوية او وضعية اما كدين فلا يمكن ان يتحاور مع دين اخر فمثلا المسيحية لاتتحاور مع الاسلام لان المسيحية لاتعترف بالاسلام كدين اصلا وبالمناسبة فان السرديات الكبرى للاديان لاتتحاور فهذه اوهام اما اذا اردنا ان نصل الى مفهوم حقيقي وواقعي لظاهرة التطرف علينا ان نتخلص من الاوهام كحوار الاديان والحضارات والمذاهب لاننا نعيش في عالم صراعي الا اذا وصلنا الى حل اخر ان يظهر الامام المهدي او السيد المسيح او شئ من هذا القبيل وينتهي الصراع لان الصراع هو لب الوجود لكن هناك حدود للصراع هي العقلنة او القانون وهنا سيبرز الصراع الاخر الذي يحيلنا الى سؤال فلسفي هل الانسان خير بطبيعته ام شرير وبالتالي تبنى العقدية الاجتماعية على ذلك .
وهنا لابد ان اسال سؤال وهو ماهي مرجعيات الدولة الغربية ؟ انها الماركسية والفرويدية والداروينية ، من هو الاكثر سطوعا في المانيا الفيلسوف الشاعر غوته ام نيتشة صاحب كتاب موت الاله ايهما اكثر تاثيرا ولذلك فان المرجعيات العامة للثقافة الغربية صدامية ارهابية مصادرة لاخلاف على ذلك ، اما المرجعيات الثقافية الاسلامية العامة الى درجة كبيرة هي مرجعيات هشة مرتبطة بالسنة الميلادية الاولى او عصر التدوين فاكثر شخص طاغ على الثقافة الاسلامية هو ابن تيمية فهو طاغ في الثقافة السنية وكرد على هذه الثقافة فهو طاغ في التاثير على الثقافة الشيعية فلا توجد اجواء حقيقية لحلم القضاء على الارهاب والتطرف بهذه البساطة مالم نقع على شيفرة الوجود ومفاتيحها .
ونحن جالسون هنا هناك شهيد يقع في الموصل من القوات العراقية وعشرة في باكستان ولعله ثلاثون في باريس وهذه كلها تشبه ماوقع قبل الفي او ثلاثة الاف عام فالمنهج الرومانسي او التجميلي او الترقيعي هو الذي يؤكد على التشريعات او الانظمة او المناهج التعليمية وهذه كلها لواحق وثواني الى الكوزمولوجي الذي هو تصور العالم ، الغرب خمسة قرون يقود العالم وخلال هذه الخمسة قرون اوصل الناس الى قمة التخمة المادية وقعر ازمة المعنى وهذا ماانتج ابو بكر البغدادي ومجاميع مسلحة غير منضبطة وميليشات غير مرتبطة الا بالدفاع عن الله وليس الدولة او المجتمع وعندما تكون القضية هي الله تسقط كل الاعتبارات الاجتماعية والا فما الذي ياتي بالشيشاني او الهندي الى العراق انه مدفوع بقوة فكر ثقافية هائلة لاعلاقة لها بالدولة او بالعقدية الاجتماعية ولا المتعارفات السياسية الحديثة حيث تسقط هنا الحداثة السياسية ولهذا فالكيان الداعشي كيان مثير وغريب جدا والعراقيون غير قادرين على تقديم تفسير ومعالجة لهذا الكيان الا بالقوة والحمد لله اثبت العراقيون انه قادرون تماما على ان يردوا الاعتداء .
لكن لدينا بعد ذلك موضوعة التوصيف كيف يمكن ان نوصف هذا الوجود الذي يتنامى يوميا في ظل نكوص قيمي وثقافي عراقي وعربي واسلامي ، انا اقول ان التعويل الرومانسي او البرئ على حوار الحضارات والاديان تعويل كاذب وواهم لان الاديان عندما يتوفى النبي يتحول الله من محبة الى ايديولوجيا عقائدية قاتلة وهذه حصلت في كل الاديان لان الدين هو ان الله محبة اما الايديولوجيا فهي على العكس من ذلك .
نقول اخيرا ان موضوعة الكتلة التاريخية ( وهو مبدأ ايطالي لغرامشي لكنه ينطبق على كل الثقافات) هي القادرة على ترى حدود الشيفرة وان ترى بوضوح الحدود والعمق للوصول الى حل ، ولابد من رفض الاوهام وان نتحمل المسؤولية بشجاعة .
وشكرا جزيلا لكم